الأربعاء، 25 ماي 2011

الشباب العربي "تحديث في الأدوار... وتغيير للمواقع"




قد نختلف في آرائنا حول عدة محاور ضمن الوحدات أو الجزئيات التي شملتها ثورات التغيير في مجتمعاتنا العربية منذ مطلع العام الحالي ،حيث اندلعت في عمومها من خلفيات وأسباب متقاربة إن لم نقل متطابقة . إلا أن الشيء المتفق عليه قطعا أو بالأحرى ما لا يمكن أن يختلف حوله إثنان من جمهور المتتبعين للوضع العربي اليوم وموجة التحول التي تعيشها معظم بلدانه هو موقع الشباب العربي ضمن كل تلك التفاعلات التاريخية ،مقارنة بباقي شرائح المجتمع من جهة . ومن جهة أخرى وبرؤية أضيق موقع الشباب المستقل فكريا مقارنة بغيره ضمن حيّز المجتمعات السياسية في بلدان الوطن العربي وهنا نجيب كلنا بنفس التسليم معترفين بدور الشباب في اطلاق الشرارة الأولى لهذه التحولات ،وقيادته لمسيرتها بمختلف مراحلها ،وتتويجا بنتائجها ، بلى.. لقد كان الشباب العربي ربانا لسفينة الحرية*(أو التحرر) ضمن أسطول هرِمَت بقية مراكبه وعجزت عن تحقيق مافعله جيل اليوم بتفوق وبدون منازع .

غير أننا حتما سنتبع اعترافنا بتساؤل نشعر مسبقا بضرورة التفكير جييدا للإجابة عليه، سنستفهم دون أدنى شك حول دور الشباب في المرحلة القادمة والتي نسلم أيضا بصعوبتها عن سابقتها ، نستفهم بحيرة عن ما سيلقى على كاهل الشباب العربي الثائر بالأمس في عملية البناء وتسيير المراحل اللاحقة بالغد؟ وفي ظل مخلفات سلفهم طبعا على افتراض بسلبية الوضع الذي تطلب هذه الثورات !! قد يلمس القارئ من هذه الإشكالية تشاؤما لدينا ، لكن وعلى العكس من ذلك فهو السؤال الأوْلى بأن يناقش بين شباب الثورات الناجحة في بلداننا العربية ،ولعل أقل دافع لذلك هو مواصلة النجاحات حفاظا على ثروة الثورة أو الإيمان بأننا لازلنا في مستهل المسير الذي يؤتى أكله بعد حين ، كما من جهة ثانية أحب أن يكون سببا للفت أنظار المتطفلين وكذا المحتكرين للأدوار من غير الشباب بضرورة العمل بـ"فافسحوا يفسح الله لكم..." وهي إشارة للتذكير بحتمية ترك المجال واشراك جيل الشباب في كل ما يدعوا للإشراك اليوم ألا وهو "كل شيء"

منذ حادث البوعزيزي في آواخر شهر ديسمبر من العام الفارط ،تأكدت العديد من التوقعات وكذا الفرضيات المشهورة كتلك التي تقول "بالهدوؤ الذي يسبق العاصفة" ،و"اشتداد الضلمة دليل على قروب الصبح..." وغيرها كثير ، فقد مر جيل الشباب العربي منذ أن عرفت بلدانه المختلفة مفهوم الدولة المؤسساتية ، مرّ بحالة من الاستبعاد الذي وضعه أسفل سافلين استناد الى عدة مسلمات بطل التنظير بها ،وخرافات ذهب مفعول الإيمان بها بعد أن يئسنا من تكرارها منذ منتصف القرن العشرن وبالتالي وجب الإعتراف كما قال أحد المفكرين "بأنه طوال العقود الماضية قد أخطأنا التحليل والتقدير لهذا الجيل ،حينما ساد بيننا انطباع سلبي عنه ...أنه لا مبال..عازف عن المشاركة...متشبع بقيم الاستهلاك..ومنغمس في الغرائزية والنفعية بعيدا عن الجدية والانتاجية..." بل وحتى ان كان هذا الضن غير إثم ، فإنه كان الأولى بهؤلاء أن يعملوا على تغيير الصورة بكل جهد نحو الأفضل لا أن يرسخوها في شكلها النمطي بحجة أن القلق كان مشروعا بناء على ضعف النظم التعليمية وتراجع البرامج المهيكلة لهؤلاء الشباب .

إن تراكما لمثل هذا الوضع دفع بطريقة مفاجئة وبسرعة قياسية لتغيير الصورة النمطية الظالمة لهذه الفئة متجاوزة الركود والعجز والأهم من ذلك تجاوز تقليدية أساليب التغيير العنفية التي عهدناها أو ما خلدته الإنقلابات العسكرية التي أوهمت بفردانيتها في قلب أنظمة الحكم ،بل قام الشباب العربي في الثورات البيضاء بما لم تقم به تلك الإنقلابات بعد أن أرسى مبادئه على أسس المواطنة والمساواة وحقوق الإنسان ...، ولعل اللافت في هذه النقطة بين مميزات حركات الشباب أنها لم تكن مطلبية تافهة أو محصورة في تحسين الوضع المعيشي وإن بدت في بادئها كذلك ، إلا أنها صارت حقوقية متجاوزة حركات المجتمع المدني وقياداته ،فضلا على استقلالية فكرها ،أي أنها لم تخضع لسنة الإيديولوجيات المتراجعة ، وكانت ماكانت مستقلة في فكرها ،لم تسر تحت مظلة أي من التيارات أو الأقطاب المتجاذبة سياسيا أو فكريا ،لتذهب بعيدا في تأكيد مبادئ محترفة بنت عليها تحركاتها وحلت "القيـم " محل الإيديولوجيا ، ولعل أهم تساؤل يأتي على الذهن هنا هو حول مدى التزام هذه الحركات الشبابية بمبدأ الإستقلالية والقدرة على العمل بعيدا عن أوساط الأحزاب القائمة ،وهل ستمضي في مرحلة البناء والإصلاح اللاحقة خصوصا في المشهد السياسي، مستعصية على الواقع الحزبي والجمعوي المؤدلج هذا من جهة، ومدى نجاعة ذلك في ظل افتقادها للخبرة اللازمة في هذه المهمة من جهة ثانية، وهي النتيجة الحتمية التي أوصلت إليها سياسة التهميش والإستسغار ما قد يسير بحركات حملت مطمح التحول الى الإستمرار في شكلية الإحتجاجات التي تؤدي الى عدمية الموقف وتعطيل الانتاج اليومي ...

بين هذا وذاك بات من المؤكد فوق كل تأكيد أن شبابنا العربي اليوم حقق أكبر نجاحاته في التتغييربفرض نفسه كقوة فاعلة فوق كل فاعل في المجتمع كان ما كان، ما يتطلب أخذ هذه القوة فوقكل اعتبار في اعادة ترتيب الأدوار وتوزيع المهام في بناء المجتمعات ،طبعا لصالح هذه الشريحة فقد أمست خريطة الهرم والقاعدة خصبة أكثر من أي وقت مضى لزرع أعضاء فتيه في الجهة العلوية وإفساح المجال أمامها في تحقيق التغيير المنشود ، وعلى غرار الحتمية المنتجة لهذا السلوك فإن معطيات جديدة على المستوى الدولي توحي أو تؤكد بوضع قيادة العالم بأيدي الشباب ،وهو ما تثبته ظواهر عدة في مجال إدارة الشركات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية كما داخل المخابر العلمية ومعامل الاختراع ، وبالتالي فإن فكرة الإصلاح في المرحلة القادمة ستبدأ ولا بد بوضع الشباب على المحك لا كما كانت تستغل سابقا في ترسيخ نظم الحكم البائدة ودعم أزمة الإغتراب لدى الشباب ،كما أن تحقيق هذا المسعى لابد وأن يتبعه كذلك نظام عمل حديث يسعى لمحو صورة التشاؤم واحلال مكانها اشعار بالمسؤولية تجاه نهضة الأمة مع الدعم اللازم بالخبرة والمتابعة المعقولة

حان الوقت إذا لوقف سياسات التجاهل التي طالت شباب الأمة منذ زمن بعيد أدت إلى أزمات عدة على رأسها الثقافية كنتاج لتدهور أنظمة تعليمية واجتماعية منتهية الصلاحية ،وأزمة اغتراب حقيقية كنتاج لصدام الشباب بالأنظمة البيروقراطية وأنماط السلطة غير الديموقراطية لا تقتصر على تهميشه فقط ، بل وتعمل على حصر دوره في الخضوع والإلتزام ما دفعه للشعور بالعجز وعدم القدرة على تحقيق ذاته حتى .،إلى ما لحق ذلك من نتائج لم نحمد عقباها ،كالهروب عبر القوارب ،والاستسلام لواقع مؤسف تفرضه الضروف...بحثا عن مجتمعات جديدة تفتح مجالا لتحقيق الطموحات وتلبي المطالب الحياتية

أما اليوم فنعتبر أن عهدا كذاك قد ولى، ليحل محله عهد الشباب العربي المتشبع بأساسيات التعاطي مع عصر العولمة وبات عليه بعد أن يتسلم المشعل و يعمل على صياغة جديدة لقوانين الإنتقال السلس من الشباب الى الشباب ،ويدخل ضمن هذا ترتيب وتنظيم كل الهياكل الموجهة والمكونة للشباب في الأجيال اللاحقة لهم لتكون خير خلف لخير سلف ،بات علينا معالجة أنظمتنا التربوية وسياساتنا التعليمية بما يبنيها على الاعتزاز بثوابت الأمة ومبادئ الحرية وثقافة الاشراك والديموقراطية ، بات علينا وضع ثقافة متوازنة تراعي التراث والتاريخ الوطني ،وتربي الحس القومي وتسعى لمواكبة الثقافات العالمية وتكون أكثر انفتاحا على العلم والتكنولوجيا والفلسفة المعاصرة وروح الكشف والاستكشاف ،هنا سنكون حتما أغنياء عن كل تلقين خارجي ،وسيعزف الشباب بدل العزوف عن المشاركة السياسية والمجتمعية ،سيعزف عن تبني ثقافة الغير واستنساخها في شكليات متعددة ،ولن يبحث عن الحقيقة خلف الاعلام الخارجي بعد أن يكتسب الثقة في اعلامه ،وسيضبط الشباب بالتزامهم إيقاع الحياة الجديدة بعد أن صارت معارف الأمس تفقد ملاءمة الواقع الجديد والمستجد ،وقد ثبت" أن المجتمعات التي تتعرض للتغير التقني السريع ،لا يعود الآباء فيها يملكون ما يقدمونه لأبنائهم"

عبدالله شوتري

Abdellah.choutri@yahoo.com

www.choutri.e-monsite.com

هناك تعليقان (2):

  1. موضوع رائع جدا استمتعت كثيرا أثناء قراءته شكرا لك ودمت مهتما بعالم الشباب الذي هو قوام الأمم وعمادها وباني حضارتها ونهضاتهاعلى أسس نأمل أن تكون صلبة في الحق معتنية بالخلق. تحياتي أخي العزيز.

    ردحذف
  2. حان الوقت إذا لوقف سياسات التجاهل التي طالت شباب الأمة منذ زمن بعيد أدت إلى أزمات عدة على رأسها الثقافية كنتاج لتدهور أنظمة تعليمية واجتماعية منتهية الصلاحية ،وأزمة اغتراب حقيقية كنتاج لصدام الشباب بالأنظمة البيروقراطية وأنماط السلطة غير الديموقراطية لا تقتصر على تهميشه فقط ، بل وتعمل على حصر دوره في الخضوع والإلتزام

    ولسان حالي يقول :ياترى يأتيك يوم تزدهر فيه الحياة ؟

    ردحذف