الأحد، 17 أكتوبر 2010

موقع العرب من التحولات الكبرى في العالم ؟


موقع العرب من التحولات الكبرى في العالم ؟

(ورقة مقدمة بمناسبة المؤتمر السنوي التاسع لمؤسسة الفكر العربي - بيروت، لبنان 2010 )

في كل سنة على أكثر تقدير تطل علينا مؤسستنا، مؤسسة الفكر العربي من خلال مؤتمرها العام الذي صار حدثا من الواجب على حاملي همّ النهضة العربية أن يقفوا عنده بتأمل يفضّل أن يستثنى، ليس ككل المناسبات ذلك في نظري لاستثناء المقتَرب الذي تعتمده المؤسسة في تحليل قضايا النهضة العربية .

حصل لي الشرف أن كنت مشاركا في حوالي أربعة من أنشطة المؤسسة ضمن البرامج الموجهة للشباب لسنتين خَلت، وقد أثيرت خلال هذه الأنشطة كثير من المواضيع الحساسة التي تمس بقوة في قضايا الوحدة العربية كموضوع الهوية والثقافة العربية (فكر7) والتكامل الاقتصادي (فكر8)، وبناء على تلك الإطلالات لم يكن مفاجئا هذه المرة أن يكون موضوع المؤتمر القادم بحول الله، (فكر9) تحت عنوان : "عالم يرسم المستقبل...أين دور العرب ؟" كما لم يكن مفاجئا أن يثير هذا التساؤل حفيظتي كأحد شباب "فكر" في أقل تقدير، على غرار لهفتي بالبحث في الشؤون العربية وقضايا الوحدة من جهة أخرى. لذلك ارتأيت أن نمر سويا من خلال هذه الورقة على عدد من العناوين التي تثري النقاش حول مسألة الإسهام العربي في رسم مستقبل العالم و إن لم يكن فحول موقعنا كعرب من هذه التحولات كون الأمة العربية قطب معتبر يفترض أن تكون له كلمته الحقة في وضع معالم الحضارة الإنسانية، آملين أن تحقق نقاشاتنا على الأقل انتباها لحالنا واهتماما بقضايانا لا تسليما بواقع لا نرضاه لأنفسنا، ولا شك أن من يشاركني "طموح" النهضة العربية اليوم كحق من حقوقنا يوافقني هذا القول وما أقل ما يمكن تلخيصه إلا في 'من سار على الدرب وصل'


تجاوز بعض الدارسين المستقلين في الغرب كثيرا من الباحثين والمفكرين العرب والمسلمين في الإشادة بإنجازات علمية متعددة المستويات لعلماء ومفكرين عرب كانت لهم بصمة استثنائية في وضع المبادئ الأساسية لعدد من العلوم النظرية والفلسفية ،ولا يختلف اثنان في الإيمان بما قدمه هؤلاء في سبيل تطوير العقل البشري والمضي بالإنسان بعيدا عن تقاليد التعلم المنحصرة في التلقي عن الموروث ،كما لا يختلفان في قيمة الضريبة التي دفعها هؤلاء نظرا لما قوبلت به أفكراهم من رفض وتهميش ،لكنهم فعلا جعلوا لأنفسهم قدما راسخة في حقول العلم ورسم ملامح الحاضر والمستقبل ،وعموما فإن هذا وغيره كثير من ما يثبت دور العرب الحقيقي في الحضارة الإنسانية من جهة ،ليصفع أولئك الهاضمين لحجم هذا الدور . من جهة ثانية بينما أخذت الإشادة بهذا الدور هي الأخرى منحى سلبيا ،كان في بعض الأحيان السبب الأول لابتعاد العرب في القرون المتأخرة عن التنافس الحضاري ،خاصة عندما انحصرت النظرة للعلم والعلماء في تفسيرات منغلقة لا تكاد تخرج عن مفاهيم العلم الشرعي ،أو بلغة أخرى صار العاِلم هو الفقيه وإلا فلا ،إلا أن هذه النظرة شهدت نوعا من التراجع بعد ذلك لصالح صوت العقل وصار هناك نوع من التوازي في الأدوار بين العلم الشرعي والدنيوي على تناغم بين هذا وذاك وينبئ بوضع أكثر انفتاحا وتفاعلا في عصر طفت فيه مفاهيم كالعولمة والديمقراطية والاعتماد المتبادل وغيرها ....تلمح في مدلولها إلى أن صناعة المستقبل في العالم هي نتيجة لعملية تفاعل كبيرة ومعقدة و متعددة الأطراف تبدو المشاركة فيها أمرا حتميا لا مفر منه .

ومع تأكد هذا و وضوحه ،لا يزال حال أمتنا العربية في الانخراط الحضاري- الإنساني محتشما ،من باب الاندماج الموضوعي أو دور العامل العقلاني والنهج العلمي في التفكير العربي* .


إن كثيرا من المتخصصين يرون بقدرة العربي على صياغة المستقبل أو المشاركة في ذلك على الأقل ،يؤكدون ذلك بشواهد عينية تعكسها إنجازات معتبرة هنا وهناك منها ما سبق ذكره ،إلا أنه في مقابل ذلك يتأكد غياب فعالية لهذا الدور في عالم اليوم ،وهو خلفية أساسية تدفعنا إلى إعادة النظر وضرورة إيجاد الوصفات اللازمة لمعالجة وضعنا واستدراك التأخر المسجل كإحدى أولويات العمل العربي المشترك ،ومن هنا تدافعت المداخل بين عدة مجالات يستوجب الانطلاق منها ،فمنهم من يرى في ضرورة المسايرة على مستوى المعرفة والتكنولوجيا ،ومنهم من قال بإعادة النظر في التعليم والمنظومة التربوية ،وصولا إلى مسائل سياسية واقتصادية ذات دلالات بعيدة كالديمقراطية و الاقتصاد الحر ،ثم فكرية بحتة كالحرية والقيم ...إلا أن ما يمكن تسجيله بينها أنها تشترك في مدخل واحد ،أو بالأحرى "اقتراب الإصلاح" ،وهنا تجدر الإشارة إلى الدور الذي تلعبه مكتبة الإسكندرية والقائمين على مؤتمراتها السنوية المعروفة في إطار" منتدى الإصلاح العربي" الذي طالما مست فعالياته بتركيز هذه القضايا الجوهرية ،والأجدر من ذلك أن نشير إلى نقطة أساسية ،ألا وهي مسألة الأولويات ، فعندما نقول بأن قضية كهذه تكمن من بين أولويات العمل العربي المشترك ،لا يعني ذلك قفزا على واقع مؤسف لا ينقصه من المشاكل غير بحث مدى الإسهام العربي في صياغة مستقبل العالم وترك البصمة العربية في التحولات الكبرى


أنا شخصيا أرى بالعكس من ذلك ولعلي أستوحي هذه الرؤية من منهج المكتبة (مكتبة الإسكندرية) في معالجة هذه النقطة ،فكل ما في الأمر أننا نقترب من الظاهرة بطريقة مختلفة ،ونعالجها من مداخل جديدة لا تصتعصي على نتائجها ظروفنا الداخلية ،بل تكون هي المتلقي الفعلي لنتائج العمل الإيجابي ولو كان ذلك بصورة غير مباشرة بناء على اختلاف الهدف ،إن أقل ما يرمي إليه معنى كلمة الإصلاح هو تصحيح الخلل في أنظمة ما تعاني من جمود أو انحراف في الدور المنتظر منها ،بما ينعكس سلبا على النتائج. وهنا نجد أنفسنا بصدد صياغة مستقبل عربي كجزء لا يتجزأ من مستقبل العالم ككل.

إن جعل هذا المبتغى هدفا ساميا، يستوجب تنسيقا عربيا معتبرا ومحتما يأتي من رؤية موحدة لا من رؤى منفردة ومختلفة لكي تنعكس مخرجاته فعليا في التغيرات التي تحدث في العالم ،وهنا نجد أنفسنا في موقف يتجاهل الخلافات البينية وينحيها جانبا بصفتها عقبات أساسية كما يحصل هذا بالتركيز على محاور الاتفاق التي يكون فيها هذا الأخير مطلوبا ،يحول النظر إلى استغلال الإمكانيات المتاحة والبناء عليها في ما يعرف بالبناء على المكنونات أو الموجودات ،ينطبق الحديث على الهيكل الإعلامي مثلا ،أو الموارد الاقتصادية ،أو الطاقة البشرية ،فعوض أن تتقدم الدول العربية في نسبة النمو السكاني بين دول العالم صار مطلوبا أن تتقدم في الانعكاسات الإيجابية لهذا النمو أو الزيادات


تدور التحولات الكبرى في العالم حول قضايا معينة مكنت للبعض من فرض سيطرته دون البعض الآخر وحين تسأل المواطن العربي البسيط عن سبب تراجع دور العرب في ذلك يعزوه إما للفساد السياسي ،أو التخاذل على مستوى نظم الحكم والرضوخ للاختراقات الخارجية أو غير ذلك ...وبغض النظر عن صحة مبرراته نجده مسلّما بقدرتنا على اعتلاء المراتب الأولى على معرفة بسيطة بإمكانيات غير بسيطة ،أما إذا تساءلنا فيما بيننا عن تلك القضايا لوجدنا في مقدمتها الثورة الرقمية ومجال الطاقة والصناعات المتطورة وغيرها، و في كلها يتمتع العرب بالإمكانات اللازمة لخوض غمار التجربة على بساطة النماذج ولكن العبرة بالنتائج ،ولعل أبسط الأمثلة التي تمكنت من رصدها شخصيا ،الحراك الشبابي على شبكة الإنترنت حيث يلاحظ القاصي والداني ريادة للشباب العربي في كثير من الساحات على الشبكة العنكبوتية ،وهذا الشيء لو تم استغلاله بطريقة هادفة ،منظمة وفاعلة للمسنا التأثير الفعلي للعرب في تطورات عديدة ومنها نمكن لأنفسنا في المجال الرقمي من إحدى نوافذه ،كأن نعمل على دعم المحتوى العربي في العالم الرقمي مثلا


نعم نملك مساحات معتبرة لجعل دورنا إيجابيا أو الزيادة من فاعلية إيجابيتنا، بالصورة التي تعكس تأثيرنا الواضح في تغيرات العالم والفرصة سانحة لتوظيف ذلك في خدمة الهوية العربية وتعزيزها وعلى رأسها اللغة والثوابت الأساسية ،كوننا في عصر ساد فيه الإيمان بكل ما هو رقمي ،وليس الترجمة ببعيدة عن دعم هذا على حد سواء ،من والى العربية و في مختلف القطاعات العلمية والفكرية لنصل إلى تلاقح لغوي عالمي بين العربية وغيرها من اللغات ،ومن ثم إلى التفاعل الحضاري بين العرب وغيرهم وهو الأمر الآخر الذي يكفل لنا ترك بصمتنا باحترام في تغيرات العالم أيضا


دائما نتحدث هكذا ونثير نقاطا ظلت جامدة ودائما ينتهي الحديث بسؤال يُجاب عنه أحيانا ويُتجاهل أحيانا كثيرة ،هو قولنا كيف ،ومن أين نبدأ ؟.. قد يبدو صعبا في طرحه ومناقشته ،إلا أن المسألة كلها تدور حول المدخل الأساسي أو المداخل الجزئية لاقتراب الإصلاح السابق ذكره، إن العمل بطريقة عكسية وبمنهج وظيفي يوحي بأمل ما على صعيد الإنجاز أو بالأحرى "فكر يتبعه الإنجاز" ولا أود أن تنتبه الأنظار مباشرة إلى وضع حكوماتنا ومؤسسات صناعة القرار في بلداننا العربية فالوحدات الفاعلة في عالم اليوم صارت أوسع وأكثر فاعلية وانتشارا من المؤسسات الرسمية ذاتها ،نملك أملا كبيرا في مجتمعنا المدني وفي مؤسساتنا الأهلية التي أثبتت في العديد من التجارب احترافها في التغلغل داخل شرائح المجتمع ،فضلا عن فاعليتها شرط أن يفسح لها المجال بالصورة المطلوبة ،إن هياكل عديدة على غرار مؤسسة الفكر العربي ومكتبة الإسكندرية وغيرها ممن كانت لهم سوابق في التمكين للمواهب أو على الأقل إبرازها إلى العيان ،هذه الهياكل تملك الفرصة المناسبة في وضع الفاعل العربي على المحك خاصة شريحة الشباب العربي المبدع ،نعم نملك مخترعين ومفكرين ومواهب فذه بين شبابنا العربي تحتاج إلى من يضعها في الميدان العالمي والوقوف وراءها وهي طاقات يمكن المراهنة عليها فعلا وبها سيرتفع الصوت العربي بين أصوات العالم ،وسنقول "نعم...فعل هذا ذاك العربي الفذ" وقد قيلت ولا زالت ونطمح لأن ترتفع أكثر ،لا نريد تشاؤما ...،يكفينا خمولا ...،ولنا في الغد أمل كبير.


عبد الله شوتري

ناشط شبابي وباحث ماجستير / الجزائر