الخميس، 16 جانفي 2014

أفريقيا: اليوبيل الذهبي بين الاحتفال والاقتتال !



أفريقيا: اليوبيل الذهبي بين الاحتفال والاقتتال  !
 عبدالله شوتري

تعيش القارة الأفريقية في الأيام الجارية على وقع العنف الدائر في بقاعها بطريقة لا تكاد تختلف عن سابقاتها التي جعلت من هذه القارة مضرب المثل في الحروب الأهلية والاقتتال ،بل وصار العنف هواية للعديد من  شعوبها وممارسة يومية يريدها ويديرها أقوام من خارج  أفريقيا مفندين فكرة استقلالنا ومؤكدين احترافية الامبريالية الحديثة التي طالما كانت مصدرا للسخرية عندما يأتي ذكرها على لسان القذافي في مناسبات خلت .

تأتي تلك الظروف كاسية لثوب أفريقيا الجديد التي تحتفل فيه بحلول العام 2014، وتحتفل قبلها من خلال منظمتها الإقليمية "الاتحاد الافريقي" بعيد الوحدة الخمسين الذي يسمى عُرفا باليوبيل الذهبي ،والذي يفترض أن يتضمن أنشطة وفعاليات على مدار السنة منذ مايو 2013 إلى مايو  2014 فضلا على مشاريع ومبادرات قارية في مختلف الأقاليم لتعزيز التنمية والنهضة على مستوياتها المختلفة والشاملة لتأكيد المسار نحو الوحدة والعمل المشترك لبلدانها الأعضاء وكذا تأكيدا لأهدافها المنشئة أي التي أسست لمنظمة الوحدة الأفريقية منذ نصف قرن وكان على رأسها تحرير الشعوب من الاستعمار الخارجي ، فهل حققت هذه المنظمة القارية فعلا استقلالها الخارجي أم أنها رسخته بصورة مطوّرة حديثة ؟ 

لن أجيب على هذا السؤال بالطريقة المألوفة وسأؤجل ذلك لمقال مفصل يناقش متغيراته، وذلك رغبة مني استعجالا في إثارة المفارقة  التي تعيشها الشعوب الافريقية بين احتفالها بالوحدة من جهة وبين اقتتالها المتزايد يوما بعد يوم لأسباب بدائية تفجر عبوات منتشرة في أرجاء المعمورة السمراء بشكل لا يُستَوعب لنتساءل عن أسبابه ،و مستوى ارتباط الأهداف في مختلف أرجاء هذه الفوضى ومن المستفيد من كل هذا ؟ وإلى أين يتجه المسار ؟.

    إذا أخذنا التطورات وفق ترتيبها الزمني من أحدثها فإن الذي يحز في النفوس أن أحدث دولة في القارة على فتاوتها تعيش صراعا قديما-جديدا لا يزيد على آلامها إلا آلاما مضاعفة، فقد تركت دولة جنوب السودان وليدة آخر تقسيم كل مشاكلها مع الشمال من مشكلة أبيي والحدود والنفط والسياسة....  كلها جانبا ،لتتفرغ كليا إلى صراع داخلي لم يخْفَ على الكثيرين أن جذوره تمتد بعمق حتى الى ما قبل التقسيم ،وبدت محاولة الانقلاب التي استعصى عليَ فهم نجاحها من فشله ،تُذكرنا بأطول حرب أهلية في القارة بين الشمال السوداني وجنوبه منذ العام 1955 ،مع ما زخرت به من شتى أشكال الاستيلاء على السلطة ،ولا ينف الملاحظون امتداد الأحداث الجارية في جوبا وعلاقتها بتلك الحرب الطويلة التي لم تقدم لشعب السودان -جنوبه و شماله-  إلا التأخر والدمار  ،ورغم ذلك تجد أحد أطراف النزاع يصرح متباهيا عشية العام الجديد أن افريقيا ستشهد خلال الساعات القليلة القادمة أول حرب في العام الجديد وكأنه سبْق يُحسب له، كما كتبت هانا ماكنيش الإعلامية مقالا بعنوان "السلام المستحيل" في إشارة إلى الظروف المستعصية على الوساطات الأفريقية والدولية لحل الخلاف القائم بطريقة سلمية، فأي مفارقة تلك في أفريقيا التي تحتفل بعيدها الخمسين للعمل المشترك وتعجز عن الوساطة  بين طائفتين اقتتلا في جزء منها ؟
غير بعيد عن السودان الجنوبي في حدوده الغربية تعيش أفريقيا الوسطى حرب إبادة لا تَحَفُظَ على تسميتها كذلك ،بعد ما أعلن متمردون نيتهم في القضاء على "متمردين" حسب قولهم ،فيما توصف من زاوية أخرى بحرب المسيحيين على المسلمين بغطاء دولي... عنف سياسي بلباس ديني ذهب ويذهب ضحيته الآلاف رغم أن الرئيس المؤقت "المسلم" ميشال ديجوتوديا قدم استقالته تحت ضغوطات دولية ،فرنسية بالأساس تظهر جليا اشراف فرنسا على مستعمراتها السابقة قفزا على كل الحواجز أو حتى بترخيص من طرفها ،فقد اجتمع القادة الأفارقة في الاليزيه مطلع ديسمبر الماضي لمناقشة موضوع السلام والأمن في أفريقيا وانتهى اللقاء بقرار أممي يفوض القوات الفرنسية للقيام بعمليات عسكرية في جمهورية أفريقيا الوسطى تحت تصفيق أعضاء المنظمة أمِ الخمسين عاما !!!
أنا شخصيا لا أستغرب الأمر ،فغير بعيد من ذلك بأشهر كانت فرنسا نفسها بقواتها تحلق في سماء مالي وترتع في أراضيها  وتقتل أهلها بترخيص أفريقي هو الآخر ،حفاظا على مصالحا في مستعمرتها الأولى ،بل كانت تقود قوات الإيكواس الذين عَدتهم شرذمة في نظرها لا يمكن الوثوق بهم لكبح جماح الأزواد والجماعات الاسلامية القادمة من الشمال إلى باماكو . فهل نحن فعلا بصدد الحديث عن منظمة الاتحاد الأفريقي أمِ الخمسين عاما إلا إذا كانت مهمتها الإشراف على أريحية التتار الأورأمريكي أثناء قيامه بمهمته في تخريب أفريقيا تحت الشعارات الطنانة لمحاربة الإرهاب وبناء السلام "المستحيل"  ؟ !
وفي شمال القارة التي تبدو دولها غريبة عن أفريقيا في عناصر معينة فإنها لا تختلف عنها في عقدة النزاع والتوتر ،فدول ما عرف بالربيع العربي  تونس ومصر وليبيا وهي التي كانت كلها ضمن فريق الأعضاء المؤسسين لمشروع الوحدة الأفريقية تتقلب غليانا في كيانها الداخلي نتيجة النزاع حول السلطة والسياسة ،وإن كان نزاعها لا يصل لمستويات الإبادة التي تعيشها أفريقيا جنوب الصحراء فهو نزاع يلهيها عن البناء ويدفعها للسير  عكس معلم التاريخ
تلك الصور ليست إلا الجزء اليسير من الأوضاع المزرية التي تحياها أفريقيا في 2014، في سنة احتفالية الإتحاد الأفريقي بخمسينية الوحدة بشعار "أجندة 2063"  النهضة الأفريقية !  ولا يتسع المجال لسرد ما يجري في الصومال والكونغو ومدغشقر  ،،، فيال المفارقة  !!!

في ظل كل ما سبق ، ستحتفل القارة على غرار اليوبيل الذهبي في شهر مايو المقبل بذكرى مرور عشر سنوات على تأسيس الهندسة القارية للسلام والأمن التي تتضمن آليات مختلفة أنشئت لإدارة وحل النزاعات الأفريقية "أفريقيا" ولن يكون هذا الاحتفال بعيدا عن الحروب المستعرة هنا وهناك إذا لم تندلع أخرى لا قدر الله في الأشهر القليلة المقبلة فأي احتفال سيكون بأي شكل ؟ إذا كان نجاح مجلس السلم والأمن الأفريقي يعد الثاني بعد ما "يعتبر"  نجاحا بتصفية الاستعمار والذي يحسب للمنظمة مع تحفظاتنا القائمة على استقلالنا التام، هل يكفي فتات الانجازات التي لم تكن لتكون إلا بتمويل أوروبي وتخطيط أمريكي وتنفيذ صيني ياباني وتسيير مختلط لتكون لنا فخرا بمنظمتنا القارية ؟ !  هل يطيب احتفال أفريقيا بيوبيلها الذهبي وهي التي عجزت عن فرض حقها والحصول على حصتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي الذي يمنح "للعجوز الصغيرة" أوروبا مقعدين دائمين تسييِّر من خلالها مصالحها في مستعمراتها التقليدية ؟ ! هي أسئلة تبقى قائمة في ظل ملاحظات لابد أن تؤخذ في عين الاعتبار وهي:
·     إن أوروبا التي قسمت أفريقيا في 1884 إثر مؤتمر برلين ،وصادقت على ذلك التقسيم بحدود "أنهت" بها مرحلة من مراحل الاستدمار  بعد الحرب العالمية الثانية ،لم تكن تعبث أو ترتجل في قراراتها التي يبدو أثرها جليا في الاقتتال الطائفي والإثني الذي يعيش أزهى أيامه في عصر يُفترض أن يكون منقرضا .
·     أن التواجد الأجنبي في القارة الأفريقية بأشكاله المختلفة لا يمكن أن يكون لغير هدف ظاهر يتمثل في استنزاف طاقات وخيرات قارة عذراء لا تقوى على إدراك أهميتها أو أنها تحارب على ذلك، كما أن الدفع لعدم الاستقرار وتغذية الحروب والخلافات الداخلية لم يكن إلا لتبرير المزيد من التدخل واستمرار الاحتلال في حُلله المتبدلة على الأذواق الأورو-أمريكية ،فمرة بحجة الإرهاب وأخرى بالانقلاب وثالثة بالتنمية وهلمّ سحبا.
·     أن مستقبل الوضع لا يكون إلا بوقفة "يوبيلية" نقدية تركز على السالب أكثر من الموجب، تراجع فيها أفريقيا وضعها الحالي بما يتطلبه ذلك من جدية وحزم وكلمة موحدة، وتفهم معنى التكالب عليها ولما ؟ ولنتحدث بعد خمسين عام قادمة عن  يوبيل النهضة الفعلي ،يوبيل التصالح مع الذات الأفريقية ، فليس العيب أن ننتظر  خمسين عاما إذا كنا لا محال سنقف مسؤولين بشرف أمام خيارات اليوم لصالح أجيال الغد .

الاثنين، 6 جانفي 2014

الدبلوماسية الجزائرية بين الفرصة والإرادة!



 الدبلوماسية الجزائرية بين الفرصة والإرادة!
عبدالله شوتري
خلال تصفحي لما تناولته الصحف الجزائرية حول زيارة نبيل فهمي للجزائر واستقباله من طرف وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة ،وردود الفعل المتباينة لتلك الجهات الاعلامية التي رصدت مواقف القطاعات المثقفة الرسمية وغير الرسمية في الجزائر حول هذه الزيارة ومدى تأثيرها على نظرة الجزائريين شبه الموحدة للحكومة الانتقالية في مصر،قررتُ أن أُجمد مؤقتا تفكيري من زاوية الوضع الداخلي في مصر لأتساءل حول وضع الدبلوماسية الجزائرية على مستواها الاقليمي ،القاري والدولي في ظل الظروف الآنية .
صرح نبيل فهمي لدى وصوله إلى الجزائر  أنه لم يأت لمناقشة الوضع الداخلي في بلاده مع السلطات الجزائرية ولكن برنامج زيارته يتمثل في أجندة حوار وطني-وطني حول التطورات الأقليمية والدولية أو كما قال. انهمر إلى ذهني تساؤلات كثيرة جدا عادت بي إلى الزمن الذهبي للدبلوماسية الجزائرية على الأقل على مستواها العربي والأفريقي حين كانت الجزائر الدولة التي لم تتجاوز السنة الواحدة  من عمرها عضوا مؤسسا لمنظمة الوحدة الأفريقية 1963، حين كانت الجزائر القوة الأبرز في حرب أكتوبر 1973 ، حين مكنت الجزائر لياسر عرفات من اعتلاء منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة وإسماع صوت الثورة الفلسطينية في 1974 ، فضلا على دور الجزائر في حركة عدم الانحياز  وغيرها من المواقف الكثيرة التي عكست حجم البلد المستحق على المستوى العالمي في زمن وجيز من الاستقلال،
في منتصف الثمانينيات الى التسعينيات من القرن الماضي عاشت  الجزائر هزات داخلية مؤلمة كان لها الأثر البالغ في تراجع الدبلوماسية الجزائرية على مستوياتها المختلفة وابتعدت كل البعد عن الصورة في الوقت الذي كان يشهد فيه العالم طفرة مهمة على المستوى الاعلامي والتكنولوجي، هذا الأخير مكن لترتيب خاص للقوى الدولية غابت فيه الجزائر أو كانت في ذيل الترتيب إلى درجة جهل الكثير من العالم لموقع بلدنا الجغرافي حتى، أو تاريخنا الحافل . ثم عادت مطلع القرن الحالي لتشهد استقرارا مهما سياسيا واقتصاديا مكنها من الوقوف على رجليها لكن الملاحظ على مستوى الدبلوماسية الجزائرية منذ 1999 إلى اليوم أن الاحتشام ظل صفة ملازمة في القضايا المهمة والتطورات المحورية في المنطقة العربية والقارية لأسباب معينة ،وكان الكثير ينتظر الدور علينا فيما سمي "بالربيع العربي ! " لندخل في متاهة ثانية كانت ستبعدنا لا محالة عن الواجهة أو النادي الدبلوماسي الى أجل غير مسمى ليكون المجال متاحا أما لدول لم تكن تعرف باسم الدول في زمن غير بعيد، أو لصالح أدوار ما كان لها أن تكون في المنطقة أصلا.
رمطان لعمامرة ـ وزير الخارجية الجزائرية
وبما أن الجزائر الى اللحظة الحالية التي تبدو فيها أنها استفادت بمناعتها المكتسبة في عقد التسعينيات للمحافظة على استقرارها المهم، والى جانب الظروف المحيطة بنا عربيا وإفريقيا ،زيادة على التطورات المهمة التي سترسم معالم مختلفة للمرحلة القادمة يبقى التساؤل قائما أين ستكون الجزائر حينها؟
اهم تعديل وزاري بعد عودة بوتفليقة من المشفى في الشهور القليلة الماضية تمثل في استقدام السيد رمطان العمامرة مفوض السلم والأمن الأفريقي وهو الرجل المعروف جدا على هذا المستوى ،بعد أن مر من أروقة الأمم المتحدة والمراتب الدبلوماسية السابقة في الخارجية الجزائرية جعلني شخصيا على معرفتي الخاصة بالرجل استبشر خيرا بمستقبل الدبلوماسية الجزائرية ،أي أن طبيعة الاختيار وتوقيته كان ولابد أن يثير فى أذهاننا تساؤلات حول النوايا والخطط المستقبلية للقيادة الجزائرية على مستوى السياسة الخارجية وحول رؤيتها لموقع الجزائر في خريطة القوى الإقليمية والدولية في ظل الظروف القائمة التي تمثل فيما يلي:
على المستوى الجزائري الداخلي: استقرار سياسي نسبي مقارنة بالمحيط، مع وفرة معتبرة في العائدات المادية التي مكنت لاستقرار اقتصادي هو الآخر  ،انتعاش مهم على مستوى الحضور الدولي الذي ينعكس من خلال التصريحات والمتابعات المستمرة لوزارة الخارجية للتطورات الحاصلة ،مشاركات مهمة  في الفعاليات الدولية والإقليمية .
على المستوى الإقليمي العربي : لا أرى حرجا في وسم الظروف التي تعيشها الدول العربية داخليا "بالفوضى" وإذا استثنينا البعض منها فسنقول اضطرابا . هذه المعطيات جعلت من الساحة العربية مفتوحة على كل التوقعات كان من بينها واضحا أن هناك فراغا في الأدوار المحورية التي تعودت أن تملأها جمهورية مصر العربية على وجه الخصوص كما بقيت دول الخليج على مستواها المعروف باستثناء الدور القطري الذي برز باختلاف في بداية التغيرات في 2011 ليعود نسبيا الى حجمه في الشهور القليلة الماضية.
على المستوى القاري "الأفريقي":  تكاثفت مؤخرا الجهود الرامية الى حصول أفريقيا على حصتها الدائمة والمستحقة في  مجلس الأمن الدولي من بوابة الاتحاد الأفريقي ومجلسه للسلم والأمن وقُدرت بمقعدين على الأقل، وكان الاستفهام متوقعا حول الدول الافريقية ذات الأهلية لأن تكون مرشحة لشغل هاذين المقعدين -في حال مُنحت-  كما نعلم تقليديا أن أكبر القوى نفوذا في المنظمة الأفريقية بناء على معطياته المادية والمعنوية هي نيجيريا ،جنوب أفريقيا، الجزائر، مصر وليبيا وبالأخذ في الاعتبار  الظروف الداخلية التي تمر بها هاتين الأخيرتين فضلا على عضوية مصر المعلقة في الاتحاد الى حين كتابة هذه السطور، فإن الجزائر هي البلد العربي والشمالي الوحيد صاحب النفوذ المستحق، أو بعبارة أخرى صاحبة الموقف المناسب والمهيأة لملئ أية فراغات على مستوى القيادة القارية زيادة الى استمرار سيطرتها على قيادة إدارة السلم والأمن بالاتحاد وسياستها الاقتصادية تجاه بعض الدول الأفريقية التي يبقى التحفظ قائما عليها بعد مسح  ديون أكثر من 14 دولة ...
وصولا إلى هنا لا يمكننا إلا أن نقول : هل يعي مسؤولو الدبلوماسية الجزائرية هذه الظروف التي ما خفى علينا منها أعظم ؟ !!!   هل تملك القيادة السياسية في الجزائر القناعة والإرادة الكافية للتحرك السريع والاستثمار في هذه الظروف لتحقيق مكانتها التي يتمناها كل جزائري على مستواها الإقليمي والقاري وكذا الدولي ،؟ وهل كان استقدام العمامرة لقيادة الخارجية الجزائرية من هذا الباب وعيا بالفرصة المناسبة ؟ إذا كانت الواقعية الدولية تنص على أن المصلحة الخاصة هي المؤشر والمحدد لأي سلوك خارجي ،هل سيساوم العمامرة نبيل فهمي بمساعدته على العودة الى حظيرة الاتحاد الأفريقي وهو الذي كان على رأس مجلس السلم والأمن الأفريقي ،أي المشرف الأول إن صح الوصف على تعليق عضوية مصر ،مقابل فسح المجال أمام الجزائر  بل ودعمها والترويج لها لريادة الدور العربي والأفريقي ؟ !  هل يقع التنازل ؟ .... تبقى كلها تساؤلات إلى أن تتضح الرؤية المستقبلية للقيادة الجزائرية حول موقعنا الإقليمي والدولي.
لعل الشريحة الغالبة لقطاع مهم من الطبقة الوسطى لا تبدي اهتماما بهذا في حين يصيبهم الحزن البليغ لغياب منتخبنا الوطني لكرة القدم على تظاهرة الفيفا الأولى، ويبررون تحفظهم على خوض الجزائر في القضايا الدولية بفتح المجال أمام التدخل الأجنبي في شؤوننا وجلب مشاكل نحن في غنى عنها من مصادر الاضطرابات واللاستقرار  ، وقد استمعت لسخرية وتهكم الكثيرين لما يحصل في البيئة المحيطة بنا في المرحلة المتأخرة  ناسين المثل الشعبي القائل "كون ذيب لا ياكلوك الذيابة"، بالأمس قال لي صديق جزائري ساخرا من أمريكا بأنها تسترزق من حروبها وغطرستها خارج حدودها ولماذا في المقابل لاتثور شعوبهم ، رددت بأنه  محق في نظرته لكن قراءة الوضع من زاوية أخرى تمكننا ببساطة من استنتاج دور السياسة الخارجية في تحقيق الأهداف الوطنية بغض النظر على المثال المذكور.
إن واقعية السياسة الدولية ودور النفوذ على المستويات الخارجية فضلا على امتدادنا القومي والهوياتي تفرض علينا الوعي  الكامل لما  يجري ويجب أن يجري، على هذا المستوى في أوساط شبابنا أسرنا ومختلف قطاعات المجتمع ليكون لنا موقف حياله، لا أن نكون ضحية لعواطف إعلامية بعيدة عن الفهم الواجب وتهاونا منا على قراءة الأوضاع من مصدرها الرسمي .  يؤكد هذه الفكرة وصحتها ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تنافس مذهبي وطائفي وكذا دولي من أجل الهيمنة والنفوذ للمرحلة القادمة فأين نحن من ما يجري ؟ هل ستبقى الدبلوماسية الجزائرية على حالها مستقلة مركب المتفرجين وفقا لمبدأ لا نملك سوى رؤية ضبابية لتعريفه في الوقت الحالي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، غير مبالين بمن يستثمر في  فرص "الفوضى الخلاقة"؟ أم أنها سنة التحول في الدور الإقليمي والدولي للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.!