الاثنين، 6 جانفي 2014

الدبلوماسية الجزائرية بين الفرصة والإرادة!



 الدبلوماسية الجزائرية بين الفرصة والإرادة!
عبدالله شوتري
خلال تصفحي لما تناولته الصحف الجزائرية حول زيارة نبيل فهمي للجزائر واستقباله من طرف وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة ،وردود الفعل المتباينة لتلك الجهات الاعلامية التي رصدت مواقف القطاعات المثقفة الرسمية وغير الرسمية في الجزائر حول هذه الزيارة ومدى تأثيرها على نظرة الجزائريين شبه الموحدة للحكومة الانتقالية في مصر،قررتُ أن أُجمد مؤقتا تفكيري من زاوية الوضع الداخلي في مصر لأتساءل حول وضع الدبلوماسية الجزائرية على مستواها الاقليمي ،القاري والدولي في ظل الظروف الآنية .
صرح نبيل فهمي لدى وصوله إلى الجزائر  أنه لم يأت لمناقشة الوضع الداخلي في بلاده مع السلطات الجزائرية ولكن برنامج زيارته يتمثل في أجندة حوار وطني-وطني حول التطورات الأقليمية والدولية أو كما قال. انهمر إلى ذهني تساؤلات كثيرة جدا عادت بي إلى الزمن الذهبي للدبلوماسية الجزائرية على الأقل على مستواها العربي والأفريقي حين كانت الجزائر الدولة التي لم تتجاوز السنة الواحدة  من عمرها عضوا مؤسسا لمنظمة الوحدة الأفريقية 1963، حين كانت الجزائر القوة الأبرز في حرب أكتوبر 1973 ، حين مكنت الجزائر لياسر عرفات من اعتلاء منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة وإسماع صوت الثورة الفلسطينية في 1974 ، فضلا على دور الجزائر في حركة عدم الانحياز  وغيرها من المواقف الكثيرة التي عكست حجم البلد المستحق على المستوى العالمي في زمن وجيز من الاستقلال،
في منتصف الثمانينيات الى التسعينيات من القرن الماضي عاشت  الجزائر هزات داخلية مؤلمة كان لها الأثر البالغ في تراجع الدبلوماسية الجزائرية على مستوياتها المختلفة وابتعدت كل البعد عن الصورة في الوقت الذي كان يشهد فيه العالم طفرة مهمة على المستوى الاعلامي والتكنولوجي، هذا الأخير مكن لترتيب خاص للقوى الدولية غابت فيه الجزائر أو كانت في ذيل الترتيب إلى درجة جهل الكثير من العالم لموقع بلدنا الجغرافي حتى، أو تاريخنا الحافل . ثم عادت مطلع القرن الحالي لتشهد استقرارا مهما سياسيا واقتصاديا مكنها من الوقوف على رجليها لكن الملاحظ على مستوى الدبلوماسية الجزائرية منذ 1999 إلى اليوم أن الاحتشام ظل صفة ملازمة في القضايا المهمة والتطورات المحورية في المنطقة العربية والقارية لأسباب معينة ،وكان الكثير ينتظر الدور علينا فيما سمي "بالربيع العربي ! " لندخل في متاهة ثانية كانت ستبعدنا لا محالة عن الواجهة أو النادي الدبلوماسي الى أجل غير مسمى ليكون المجال متاحا أما لدول لم تكن تعرف باسم الدول في زمن غير بعيد، أو لصالح أدوار ما كان لها أن تكون في المنطقة أصلا.
رمطان لعمامرة ـ وزير الخارجية الجزائرية
وبما أن الجزائر الى اللحظة الحالية التي تبدو فيها أنها استفادت بمناعتها المكتسبة في عقد التسعينيات للمحافظة على استقرارها المهم، والى جانب الظروف المحيطة بنا عربيا وإفريقيا ،زيادة على التطورات المهمة التي سترسم معالم مختلفة للمرحلة القادمة يبقى التساؤل قائما أين ستكون الجزائر حينها؟
اهم تعديل وزاري بعد عودة بوتفليقة من المشفى في الشهور القليلة الماضية تمثل في استقدام السيد رمطان العمامرة مفوض السلم والأمن الأفريقي وهو الرجل المعروف جدا على هذا المستوى ،بعد أن مر من أروقة الأمم المتحدة والمراتب الدبلوماسية السابقة في الخارجية الجزائرية جعلني شخصيا على معرفتي الخاصة بالرجل استبشر خيرا بمستقبل الدبلوماسية الجزائرية ،أي أن طبيعة الاختيار وتوقيته كان ولابد أن يثير فى أذهاننا تساؤلات حول النوايا والخطط المستقبلية للقيادة الجزائرية على مستوى السياسة الخارجية وحول رؤيتها لموقع الجزائر في خريطة القوى الإقليمية والدولية في ظل الظروف القائمة التي تمثل فيما يلي:
على المستوى الجزائري الداخلي: استقرار سياسي نسبي مقارنة بالمحيط، مع وفرة معتبرة في العائدات المادية التي مكنت لاستقرار اقتصادي هو الآخر  ،انتعاش مهم على مستوى الحضور الدولي الذي ينعكس من خلال التصريحات والمتابعات المستمرة لوزارة الخارجية للتطورات الحاصلة ،مشاركات مهمة  في الفعاليات الدولية والإقليمية .
على المستوى الإقليمي العربي : لا أرى حرجا في وسم الظروف التي تعيشها الدول العربية داخليا "بالفوضى" وإذا استثنينا البعض منها فسنقول اضطرابا . هذه المعطيات جعلت من الساحة العربية مفتوحة على كل التوقعات كان من بينها واضحا أن هناك فراغا في الأدوار المحورية التي تعودت أن تملأها جمهورية مصر العربية على وجه الخصوص كما بقيت دول الخليج على مستواها المعروف باستثناء الدور القطري الذي برز باختلاف في بداية التغيرات في 2011 ليعود نسبيا الى حجمه في الشهور القليلة الماضية.
على المستوى القاري "الأفريقي":  تكاثفت مؤخرا الجهود الرامية الى حصول أفريقيا على حصتها الدائمة والمستحقة في  مجلس الأمن الدولي من بوابة الاتحاد الأفريقي ومجلسه للسلم والأمن وقُدرت بمقعدين على الأقل، وكان الاستفهام متوقعا حول الدول الافريقية ذات الأهلية لأن تكون مرشحة لشغل هاذين المقعدين -في حال مُنحت-  كما نعلم تقليديا أن أكبر القوى نفوذا في المنظمة الأفريقية بناء على معطياته المادية والمعنوية هي نيجيريا ،جنوب أفريقيا، الجزائر، مصر وليبيا وبالأخذ في الاعتبار  الظروف الداخلية التي تمر بها هاتين الأخيرتين فضلا على عضوية مصر المعلقة في الاتحاد الى حين كتابة هذه السطور، فإن الجزائر هي البلد العربي والشمالي الوحيد صاحب النفوذ المستحق، أو بعبارة أخرى صاحبة الموقف المناسب والمهيأة لملئ أية فراغات على مستوى القيادة القارية زيادة الى استمرار سيطرتها على قيادة إدارة السلم والأمن بالاتحاد وسياستها الاقتصادية تجاه بعض الدول الأفريقية التي يبقى التحفظ قائما عليها بعد مسح  ديون أكثر من 14 دولة ...
وصولا إلى هنا لا يمكننا إلا أن نقول : هل يعي مسؤولو الدبلوماسية الجزائرية هذه الظروف التي ما خفى علينا منها أعظم ؟ !!!   هل تملك القيادة السياسية في الجزائر القناعة والإرادة الكافية للتحرك السريع والاستثمار في هذه الظروف لتحقيق مكانتها التي يتمناها كل جزائري على مستواها الإقليمي والقاري وكذا الدولي ،؟ وهل كان استقدام العمامرة لقيادة الخارجية الجزائرية من هذا الباب وعيا بالفرصة المناسبة ؟ إذا كانت الواقعية الدولية تنص على أن المصلحة الخاصة هي المؤشر والمحدد لأي سلوك خارجي ،هل سيساوم العمامرة نبيل فهمي بمساعدته على العودة الى حظيرة الاتحاد الأفريقي وهو الذي كان على رأس مجلس السلم والأمن الأفريقي ،أي المشرف الأول إن صح الوصف على تعليق عضوية مصر ،مقابل فسح المجال أمام الجزائر  بل ودعمها والترويج لها لريادة الدور العربي والأفريقي ؟ !  هل يقع التنازل ؟ .... تبقى كلها تساؤلات إلى أن تتضح الرؤية المستقبلية للقيادة الجزائرية حول موقعنا الإقليمي والدولي.
لعل الشريحة الغالبة لقطاع مهم من الطبقة الوسطى لا تبدي اهتماما بهذا في حين يصيبهم الحزن البليغ لغياب منتخبنا الوطني لكرة القدم على تظاهرة الفيفا الأولى، ويبررون تحفظهم على خوض الجزائر في القضايا الدولية بفتح المجال أمام التدخل الأجنبي في شؤوننا وجلب مشاكل نحن في غنى عنها من مصادر الاضطرابات واللاستقرار  ، وقد استمعت لسخرية وتهكم الكثيرين لما يحصل في البيئة المحيطة بنا في المرحلة المتأخرة  ناسين المثل الشعبي القائل "كون ذيب لا ياكلوك الذيابة"، بالأمس قال لي صديق جزائري ساخرا من أمريكا بأنها تسترزق من حروبها وغطرستها خارج حدودها ولماذا في المقابل لاتثور شعوبهم ، رددت بأنه  محق في نظرته لكن قراءة الوضع من زاوية أخرى تمكننا ببساطة من استنتاج دور السياسة الخارجية في تحقيق الأهداف الوطنية بغض النظر على المثال المذكور.
إن واقعية السياسة الدولية ودور النفوذ على المستويات الخارجية فضلا على امتدادنا القومي والهوياتي تفرض علينا الوعي  الكامل لما  يجري ويجب أن يجري، على هذا المستوى في أوساط شبابنا أسرنا ومختلف قطاعات المجتمع ليكون لنا موقف حياله، لا أن نكون ضحية لعواطف إعلامية بعيدة عن الفهم الواجب وتهاونا منا على قراءة الأوضاع من مصدرها الرسمي .  يؤكد هذه الفكرة وصحتها ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تنافس مذهبي وطائفي وكذا دولي من أجل الهيمنة والنفوذ للمرحلة القادمة فأين نحن من ما يجري ؟ هل ستبقى الدبلوماسية الجزائرية على حالها مستقلة مركب المتفرجين وفقا لمبدأ لا نملك سوى رؤية ضبابية لتعريفه في الوقت الحالي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، غير مبالين بمن يستثمر في  فرص "الفوضى الخلاقة"؟ أم أنها سنة التحول في الدور الإقليمي والدولي للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.!

هناك تعليقان (2):

  1. مقال جيّد، و طرح ذكي أخي عبد الله؛ أجدك قد فتحت بابا مهمّا للتساؤل من خلال العنوان الأصلي في مقالك. بوركت

    ردحذف
  2. تلميدي وابن اخي لا يسعني الا ان اقول حقا ابن البط عوام

    ردحذف