الأحد، 16 جانفي 2011

درس بالمجان في إرادة الشجعان


يالها من تونس ...وياله من شعب...ويالها من صلابة ...في وقت عم فيه اليأس ،وعزّ فيه الأمل في التغيير ،جاء فيه الأشقاء التوانسة ليقولوا لنا ،وبنبرة الأسود "لما تريد ....تريد.." فعلا، صدق التونسي ابو القاسم الشابي وخلّد كلماته الصادقة من ذهب خالص ،لشعب عِشق الحرية فتسلح بالإرادة وخرج في طلبها، مات الشابي ولم تمت كلماته...كذلك مات البوعزيزي ولم تمت فعلته ، سار الى مصيره غير مدرك بأنه شغل ماكنة التاريخ...سار ولم يدرك بأنه أخرج شعبه الحر بعده ،ليدحض خرافات ياما اعتقدنا بها ،خرج ليثبت بأن التغيير إرادة شعب وليس كما قيل "خدمة سنين" فهذا في جانب وذاك في آخر

حقا..لقد سجل التاريخ وما أدراك ما سجل... "لقد صرخت في عروقنا الدما...نموت ،نموت ويحيا الوطن" هكذا نادو ،وهكذا علوا أصواتهم وكل العالم يسمع هكذا ضحوا وأدركوا بأن للحرية ثمنا..ودفعوا هذا الثمن فرحم الله شهداء الحرية في تونس الأبطال ،لم يردفهم عن هدفهم تلاعب الساسة ولا وعودهم الكاذبة قبل حتى اعلانها ،أرادوا فقالوأ ثم فعلوا وما أدراك ما فعلوا ، ...مالم يفعله شعب قبلهم وقدموا درسا بالمجان في انتفاضة الشجعان واستشراف للمستقبل ،فكان لهم ما أرادوا وخيبوا من قال ماسادوا ،فهنيئا لكم إنجازكم يا حماة الحمى ...

"2011 عام القلائل والتحولات" هو عنوان لمقال قرأته لشخص أعزّه،كتبه بعد أيام قلائل تشرفت بلقائه والحديث إليه في بيروت ،وقبل أيام قلائل من انتفاضة شعبي تونس والجزائر،يعني بين حين وحين ،واستوحيت من كلمات الدكتور برهان غليون الذي ما قال إلا أبدع ،خاصة عند ذكره في هذا المقال ما يعرف بالقوى الاجتماعية الفاعلة بما فيها المعاِرضة للوضع القائم في البلدان العربية ،أن هناك حراك قادم في بيئات مهيأة لذلك ،وحينها لم تزل الأحتجاجات في تونس والجزائر في مستهلها ،غير أن أخذها المنحى التصاعدي كان يدفعني للتساؤل :ماذا لو فعلها الشعب حقا ؟؟ وكنت أبدو مصرّا على تصديق نفسي ،فمعطيات المرحلة في الساحة العربية رغم سيرها في نفس التيار ،إلا أن جانبا منها كان يستهوينا على حساب جوانب أخرى ،كنا نراقب ونتتبع ،ننتظر..ما ستفضي إليه إرادة شعب في جنوب السودان ،ليقول لنا الواقع وبحسّ تنبيهي ،وما إرادة شعب تونس منهم ببعيد ...ولو أن موضوعيهما مختلفين كل الأختلاف ،إلا ان توقيتهما ووتتعلقهما بعنصر إرادة الشعوب ،وتقرير المصير،يبقى المحور الأساسي في هذا الحديث

أن تمضي فيما فيما تصبو إليه من تغيير ، بإرادة صلبة تجعل العالم كله يترقبك ليس بالأمر الهيين ،لكن ماليس بالأهون هو حينما تحقق مالعالم كله يتوقع غيره أو نقيضه ،وقد رأينا وسمعنا كيف أن الجميع أعلن عن سودان الجنوب قبل حتى إعلان شعبه الذي يفترض أن يأتي كنتيجة من بين اثنتين لاستفتاء سمي بتقرير المصير ،كما رأينا وسمعنا حكما مسبقا بَطُل فيما بعد ولله الحمد ، ينذر بفشل انتفاضة شعب عبر الشارع ،ضد نظام لطالما تغنينا بأنه يحكم بقبضة من حديد وهنا المفارقات بعينها ولم أشأ أن أسميها مفارقات ،إنها معالم التاريخ ترسم بأيدي الأحرار وإراداتهم ،إنه الحق الذي يُزهق الباطل ضمن واحدة من سنن الله في أرضه

منطقي أن نتساءل في نهاية الأحداث حول غاية الحديث ، وبالذات حول ما إذا سيستوعب الدرس أم لا؟ ،لكن ضيق بعض الرؤى يودي بأصحابها الى متاهات نحن في غنى عنها بالفعل ،لا أحب أن يصف هؤلاء الدعوة الى استخلاص العبر من ثورة الشجعان في تونس بتحريض على العصيان او كما يسمى و ما أعقب الحدث من تعليقات وتساؤلات حول مصير الشعوب الشقيقة للتونسيين ...ان الأولى و الأكثر إيجابية في نظري أن نلمح لاستنباطات أهم من ذلك

· ان حدثا شريفا بطوليا كهذا ليس إلا رساله واضحة من شعب تونس الذي لا يتجزء من شعب مغربنا العربي والشعب العربي ككل الى العالم بأسره ، على أننا أهل كرامة ،أهل حرية واستحقاق لا نرض بالذل والهوان ،وهو ما يؤكد ويرسخ وسام الشرف الذي نالته الشعوب العربية على مدى ثوراتها وحركاتها التحريرية طيلة القرون المنقضية لا السنين ،نعم إن هذا الشرف متجذر في أصول هذه الشعوب ،وسيظل كذلك مادام الحق حقا ،والباطل باطل

· إن هذا الانجاز يدعونا لاستثمار قوتنا الفعلية في قضايانا الفعلية ومطالبنا الشرعية تجاه مسألة تحررنا، ففلسطيننا وعراقنا وسوداننا ولبناننا ووو...وكل أوطاننا بحاجة لدواء تفعيل الهمم ،وحان الوقت لتصرخ في عروقنا الدماء ،دماء الحرية

· أن الإرادة الصلبة للأمم المتحررة تكسر عمود الذل مهما طال انتصابه وبلغت قوته ،أو كما قيل فإرادة الشعوب لا تقهر، وعلى صبر وحلم وحمل هذه الأمم فإنها إذا قالت فانها تفعل ،ولن تخيب اذا أرادت ،ولابد أن يستجيب القدر

· إن وقوفنا الحقيقي مع أشقائنا التوانسة بات أكثر ضرورة ،وأولى في المرحلة الآنية من أي وقت مضى ،فحان وقت البناء الحقيقي على أساس صلب من هذا المكسب الذي لم ولن يتاح لأي كان ،غير أصحاب الهمم العالية ، ولا محال من أن متربصين له غير بعيدين من اغتصابه ،فالأهم هو الحفاظ عليه ثم البناء الصلب

· تحية اكبار واجلال الى راسمي مجدهم بحروف من ذهب في زمن عز فيه صانعوا المجد ،وَفَيْتم نداءكم بأنفسكم ،"هلموا ،هلموا لمجد الزمن "،وسينصفكم التاريخ لا محال ،كما أنصف الأحرار دائما، وسينصف الطغاة وهاضمي الحقوق ،ولصوص الحرية ...فلا عاش بيننا من خاننا

عبد الله شوتري