السبت، 5 نوفمبر 2011

العلاقات الروسيّة العربيّة في الزمن الجديد

تثير حركة التواصل بين روسيا والعالم العربي والإسلامي في الآونة الأخيرة الكثير من الأسئلة والهواجس والمخاوف، بقدر ما تثير التفاؤل والحماس بمستقبل العلاقات بين الطرفين. فقد شهدت المنطقة العربيّة أنشطة دبلوماسيّة روسية مكثّفة قبيل العام 2009، واكبها تبادل مكثّف للزيارات يوحي بإمكانيّة إضفاء صورة إيجابيّة على المشهد الإقليمي والدولي. ومن ذلك، إعلان روسيا أنها أحد الأطراف المعنيّة بأمن الخليج نظراً للأخطار الخارجيّة التي تتهدّده، وإبرام اتفاقيات متنوّعة تشجّع التبادل التجاري والإنساني والثقافي والعلمي، عزّزها تراجع العلاقات الأميركيّة العربيّة، بسبب الدعم الأميركي المتواصل لسياسات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. وفي المقابل، ثمة من رأى أن لهذه العلاقات بين روسيا والعرب والعالم الإسلامي أساساً تاريخيّاً، يجعل هذه العلاقات مؤهلة للتفاعل والإحياء بصورة أكبر لأسباب عدّة منها أن الشرق العربي والإسلامي هو امتداد استراتيجي لروسيا "العظمى" والعكس، وأن الصلات الإنسانية المتبادلة بين المجتمعين لم تنقطع في مختلف العصور. كما أن عصر هيمنة القطب الدولي الواحد حالياً تستدعي الحرص على العلاقات التاريخية بين روسيا ودول الشرق بعامة، وضمان دور فاعل لروسيا في الساحة الدولية.
الزيارات المكثفة التي شهدتها موسكو من قبل القيادات العربية خلال العامين المنصرمين والعكس، سبقها حصول روسيا الاتحادية على عضوية مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي خلال الدورة 32 لمجلس وزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عقد في حزيران/ يونيو 2005 في العاصمة اليمنيّة صنعاء، والتي شكّلت آنذاك حالة استثنائية غير مسبوقـة في المنظمة. وكذلك اعتبار الجامعة العربية سفير روسيا الاتحادية في القاهرة سفيراً لدى الجامعة العربية، ثم تشكيل "مجلس الأعمال الروسـي العـربي" برعاية السياسي والمستشرق المعروف يفغيني بريماكوف، وتشكيل لجـان فرعيّة بينيّة للعمل على تحقيق خطوات إيجابية. كما تردّد أن التعاون الروسي العربي دخل مرحلة جديدة، وأن هذه المرحلة ستشمل مجالات جديدة، منها الفضاء الكوني وتكنولوجيات النانو والمجال العسكري/ الفنّي والعلمي التقني، بالإضافة إلى الطاقة النووية.
للتذكير..
يذكر أن "مجلس الأعمال العربي الروسي" عقد اجتماعه المشترك التاسع في موسكو، خلال الفترة 7-9 حزيران/يونيو2010، وأنه جرى التشديد على ضرورة أن يبذل مجتمع الأعمال جهوداً لتطوير العلاقات التجارية والاستثمارية لأن العلاقات الحكومية وحدها غير كافية، كما جرى التشديد على ضرورة إقامة شراكة اقتصاديّة راسخة بين روسيا والدول العربية من خلال إنشاء المشروعات الإنتاجية المشتركة والاستثمار المتبادل للاستفادة من الفرص الواعدة المتاحة، فيما تمّ التذكير بمشروع إقامة مصرف عربي روسي مشترك تمّ طرحه خلال المنتدى الاقتصادي العربي الروسي الذي استضافته البحرين في العام 2007، على اعتبار أنه إضافة نوعيّة في مسار تطوّر العلاقات العربيّة الروسيّة. وتمّ التنويه آنذاك بالاستثمارات الروسية الناجحة في بعض الدول العربيّة، مثل الأردن( من خلال التعاون القائم بين شركة النفط الروسية "تات نفط" وسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة في ميناء العقبة الأردني، واتفاقيات التعاون التي وقعت بين شركة "أفتوفاز" الروسية وشركة "يوردانين كومباني جنرال أوتوموبيل أندستري" الأردنية لإنشاء معمل تجميع سيارات "لادا" تبلغ قدرته الإنتاجية السنوية حوالى 30 ألف سيارة، إضافة إلى اتفاقية التعاون في مجال استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، التي تشارك مؤسّسة "روس آتوم" الروسية بناءً عليها في المناقصات الخاصة بإنشاء المفاعلين النوويّين الصناعي والتجريبي في الأردن، وقيام غرفة تجارة الأردن وبالتعاون مع شركة إكسبو زيرو بيتش الروسية بإقامة المعرض الصناعي الروسي سنوياً في الأردن بمشاركة العديد من القطاعات الروسية...). فيما كان الإعلام الروسي قد أشار إلى العلاقات التجارية والاقتصادية التي تربط روسيا بسوريا، خصوصاً عقود السلاح المربحة، واستثمارات الشركات الروسية في مجالات البنية التحتيّة والطاقة والسياحة السورية، والصادرات الروسية إلى سورية التي بلغت قيمتها 1.1 مليار دولار في العام 2010، فضلاً عن الاستثمار الروسي في البلاد الذي وصل إلى 19.4 مليار دولار في العام 2009. بحيث قارب حجم التبادل التجاري بين روسيا والعالم العربي 8 مليارات دولار في العام 2008، ومن المتوقع أن يبلغ في نهاية العام الجاري نحو 12 مليار دولار، خصوصاً مع تزايد التعاون المشترك في عدد من المجالات وبالأخص في مجالات النفط والغاز والسياحة والمعارض وسوق العقارات.
من يطارد العرب؟
وفي حوار أجراه محمد عيادي مع السفير الروسي الأسبق في واشنطن فاتيسلاف ماتوزوف (العرب، 26/2/2009) كشف الأخير أن الّلوبي الصهيوني كان وراء تراجع العلاقات العربية- الروسية عقب سقوط الاتّحاد السوفياتي، وأن بوتن عقب توليه السلطة وتخلّصه من التأثيرات الخارجية على صناعة القرار في البلاد، أعاد تنشيط العلاقات مع الدول العربيّة، وقام بزيارة بعضها بشكل لم يقم به رئيسه قبله. كما أيّد ماتوزوف أن يكون للعرب مقعد دائم في مجلس الأمن. وفسّر ماتوزوف الموقف الروسي بسعي بعض الجهات القومية المتعصبة مثل الحركة الصهيونية التي كانت خارج المجتمع السياسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وبعدما انهارت القيود المفروضة عليها التي كانت تجعلها تعمل في الخفاء- إلى الظهور على الساحة بكلّ قوة. مضيفاً: " فوجئنا بحجم الوجود اليهودي في المجتمع السوفياتي، وأنه كان أقوى ممّا كنّا نتصور". إذ إن يوري أندروبوف الشخص الذي تزعم "كي.جي.بي" في فترة معيّنة، كان يخطّط عملياً للتغيّرات الاجتماعية في الاتحاد السوفياتي "البرويستريكا" مع بعض العلماء والأكاديميّين الذين كانوا منتشرين في معاهد علمية ومراكز أبحاث استراتيجية تحت رعايته، وهو الذي حضّر البنية السياسية لجيل مثل غورباتشوف وغيره، الذين سيطروا على الاتحاد قبل سقوطه.
التشكيك بالدور الروسي
في المقابل اعتبر البعض أن الحلف الأساسي الذي كان قائماً بين روسيا وعدد من البلدان العربيّة، والذي كانت روسيا خلاله مصدراً أساسيّاً للمساعدات العسكرية والاقتصادية لبلدان مثل مصر وسوريا والعراق وليبيا والجزائر واليمن، هو في الواقع سعي لتكريس البعد التوسّعي لدى روسيا الفيدرالية، وأن روسيا من خلال توثيق علاقاتها، ولاسيما الاقتصادية، تستطيع أن تقوي من نفوذها وسيطرتها أمام القوى الأخرى؛ وما دور روسيا المعادي لحصار العراق إلا نتيجة الخسارة التي منيت بها بسبب هذا الحصار، والمقدّرة بمليارات الدولارات، والتي أدّت إلى إنهاء وجود أكثر من 300 شركة روسية في العراق على سبيل المثال لا الحصر.
التشكيك بالاهتمام الذي تبديه روسيا حيال العرب، نابع إذاً من شبه قناعة بأن مصالح الدول الكبرى فوق كلّ اعتبار، وبأنها-أي هذه القوى- إذ تبدي مواقف إيجابيّة حيال العرب والمسلمين فلأن مصالحها فقط، ولا شيء غير مصالحها، هي التي تقتضي ذلك. وبالنسبة إلى روسيا بالتحديد، ونظراً لوجود عدد كبير من المستوطنين من أصل روسي في فلسطين، ولتفادي عودتهم إليها وما سيؤدّي إليه ذلك من مشكلات سياسيّة، لن تفرّط في علاقاتها بإسرائيل. كما أن وجود قوة مثل إسرائيل في الشرق الأوسط تربطها علاقات جيّدة بروسيا سيضمن لهذه الأخيرة تحقيق الكثير من المصالح الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية. فيما تدرك إسرائيل في المقابل بأن روسيا قوة مركزية عالمية في العالم، وأن لها تأثيرها ونفوذها في الشرق الأوسط. فشهدت تسعينيّات القرن الفائت تحسناً ملحوظاً في العلاقات بين الطرفين، وتمّ في العام 1995، توقيع اتفاقيات مهمّة مع إسرائيل من قبل وزارة الدفاع الروسي، شملت توريد سلاح وتطويره لدى الإسرائيلين، كما قامت روسيا العام 2003 بإطلاق قمر صناعي إسرائيلي "عاموس 2".
أفق العلاقات
في موازاة التعاون الروسي العربي والتعاون الروسي الإسرائيلي، ثمة واقع عربي جديد ترسمه الثورات العربيّة الراهنة، ربما ينبئ بحسب تحليل البعض بنهاية احتكام العرب، على خلاف ما كان سائداً، إلى إحدى القوى العالميّة. فتحت عنوانLes révolutions arabes et la désoccidentalisation du monde ، يعتبر قادر عبد الرحيم في مقاله هذا المنشور في ("رو89 "- "Rue 89"- 9/6/2011) أن تونس قطعت حبل آريان الذي ربط المغرب العربي منذ الفتوحات الاستعماريّة بأوروبا، بعدما بدت هذه الثورات غير مؤيّدة للغرب وغير موجّهة ضدّه، بل مجرد علامة أو إشارة إلى تراجع التأثير الغربي على العرب في ظلّ بروز القوّة الصينيّة، معتبراً أن تراجع التأثير هذا عزّزته مسالك الصين نفسها، كقوّة نافذة على الصعيد العالمي، لم تبدِ في السابق أيّ موهبة توسّعيّة، وتقترح رؤية غير مؤدلجة للعولمة، ولا تتاجر بنموذج ثقافيًّ محدّد، بمعنى فرضه على الآخرين وتسويقه। فإذا صحّت هذه الرؤية وهذه التحاليل لا بدّ أن تتبدّد المخاوف العربيّة من الأطماع الروسيّة، ولا بدّ من المضيّ من ثمة قدماً في إطار من التعاون الندّي على قاعدة شراكة استراتيجية روسيّة عربيّة يمكن توظيفها في تحقيق الأمن الإقليمي بما يلبّي حاجة كلّ من الطرفين للآخر। كما يقتضي ذلك من العرب قراءة عقلانية للواقع العربي والإقليمي والدولي يسمح لهم بالتقريب بين استراتيجياتهم المتناقضة إلى حدّ كبير من أجل دعم تعاونهم الاستراتيجي مع روسيا، لكن هل الأحداث التي يشهدها العالم العربي حالياً يمكن أن تسهم في تحقيق ذلك؟ يبدو أن العامين أو الثلاثة أعوام القادمة ستحمل الكثير في هذا الملف.
المصدر الرئيسي => أفق (مؤسسة الفكر العربي )